تُعد الاجتماعات جزءًا لا يتجزأ من ثقافة العمل في معظم المؤسسات، حيث تُستخدم للتخطيط، والتنسيق، واتخاذ القرارات. ومع ذلك، أثار رجل الأعمال البارز محمد العبار جدلاً واسعًا بتصريحه الذي يتحدى جدوى الاجتماعات، مشيرًا إلى أنها عديمة الفائدة، متسائلًا عما إذا كان أي شخص قد استفاد من أي اجتماع بالفعل. هذا التصريح الجريء يعكس تجربة عملية وشخصية في بيئات الأعمال، ويفتح الباب لمناقشة أوسع حول كيفية إدارة الاجتماعات بشكل فعّال.
عن محمد العبار ورؤيته القيادية
محمد العبار، مؤسس ورئيس مجلس إدارة "إعمار العقارية"، يُعد من أبرز رواد الأعمال في العالم العربي. يشتهر بفكره الاستراتيجي ونهجه العملي في إدارة الأعمال. مثل هذه التصريحات الجريئة ليست غريبة عن شخصية تسعى دائمًا للتحدي وإعادة التفكير في الممارسات التقليدية. أعتقد بأن العبار يرى أن الاجتماعات، إذا لم تُدار بشكل صحيح، تتحول إلى مضيعة للوقت والجهد، وتُثقل كاهل الفرق بدلاً من تعزيز الإنتاجية.
لماذا يُعتبر تصريحه مثيرًا للجدل؟
تأتي أهمية تصريح العبار من كونه يتحدى فكرة متجذرة في ثقافة العمل: أن الاجتماعات ضرورية وفعّالة. لكنه يسلط الضوء على مشكلة شائعة تواجه العديد من المؤسسات، وهي الاجتماعات غير الفعالة. فكم مرة وجد الموظفون أنفسهم في اجتماعات طويلة دون جدول أعمال واضح أو نتائج ملموسة؟
في كثير من الأحيان، تتحول الاجتماعات إلى مساحة للنقاشات غير المثمرة، أو لمجرد "الشكلية"، دون أن تساهم في تحقيق أهداف واضحة. هذا ما يجعل تصريح العبار صرخة للتغيير، وليس مجرد نقد سلبي.
لكن، هل الاجتماعات فعلاً بلا قيمة؟ أم أن المشكلة تكمن في طريقة إدارتها؟
المشكلة الحقيقية: الاجتماعات غير الفعّالة
من واقع خبرتي العملية، أرى أن الاجتماعات ليست المشكلة في حد ذاتها، بل الطريقة التي تُدار بها. في كثير من المؤسسات، تتحول الاجتماعات إلى جلسات مطولة خالية من الأهداف، تُهدر الوقت وتُثقل كاهل الفرق. إليكم بعض الأسباب التي تجعل الاجتماعات غير فعالة:
1. غياب الأهداف الواضحة:
عندما تُعقد الاجتماعات دون جدول أعمال واضح، تصبح مساحة للنقاش العشوائي بدلاً من التركيز على تحقيق نتائج محددة.
2. الافتقار إلى الانضباط الزمني:
الاجتماعات التي تمتد أكثر من اللازم تُرهق المشاركين وتؤثر سلبًا على إنتاجيتهم في بقية اليوم.
3. الإفراط في عقد الاجتماعات:
بعض الشركات تتعامل مع الاجتماعات كحل لكل مشكلة، مما يؤدي إلى تقليل الوقت المتاح للعمل الفعلي.
4. عدم مشاركة جميع المجتمعين بشكل فعال:
كثيرًا ما تُلاحظ أن عددًا قليلًا من الحاضرين يسيطرون على النقاش، بينما يكتفي الباقون بالاستماع السلبي.
هل الاجتماعات ضرورية؟
على الرغم من الانتقادات، لا يمكننا القول إن الاجتماعات غير ضرورية تمامًا. فبعض القرارات المهمة، خاصة تلك التي تتطلب التعاون والتنسيق بين فرق العمل المختلفة، لا يمكن اتخاذها دون اجتماعات. المفتاح هنا هو كيفية إدارة هذه الاجتماعات لجعلها أكثر كفاءة وإنتاجية. على سبيل المثال، في إحدى الشركات التي أشرفت عليها، كانت الاجتماعات اليومية القصيرة (Stand-up meetings) لديهم أداة رئيسية لمتابعة تقدم العمل وتحديد الأولويات بوضوح.
لكن، النجاح في استخدام الاجتماعات يعتمد على الالتزام بمبادئ أساسية: تحديد الهدف، تقليص الوقت، وضمان أن كل دقيقة تُستثمر بفعالية.
دروس من الشركات العالمية
شركات رائدة مثل أمازون تُقدم أمثلة ملهمة في كيفية إدارة الاجتماعات بذكاء. جيف بيزوس، مؤسس أمازون، يعتمد قاعدة "اجتماع البيتزا الواحدة"، حيث لا يجب أن يزيد عدد المشاركين عن عدد يمكن إطعامه ببيتزا واحدة. هذا النهج يضمن تقليص عدد المشاركين للحد الأدنى الضروري، مع التركيز على الكفاءة.
كيفية تحسين الاجتماعات لتكون فعّالة
لتحقيق أقصى استفادة من الاجتماعات، يجب أن تركز المؤسسات على تحسين طريقة إدارتها. إليك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تجعل الاجتماعات أداة فعّالة:
1. تحديد جدول أعمال واضح:
قبل عقد أي اجتماع، يجب إعداد جدول أعمال يوضح النقاط التي سيتم مناقشتها، مع تحديد الوقت المخصص لكل نقطة.
2. تقليل عدد المشاركين:
اجعل الاجتماعات مقتصرة على الأشخاص الذين لديهم دور حقيقي في المناقشة أو اتخاذ القرارات. يفضل أن يكون العدد فردي من 5 أو 7 أشخاص وبما لا يزيد عن 13 شخص. ليتم ترجيح قرار على آخر عند الحاجة للتصويت على أي قرار.
3. تقليل الاجتماعات غير الضرورية:
يجب تقليل الاجتماعات إلى الحد الأدنى، وعقدها فقط عندما تكون ضرورية.
و استخدم البريد الإلكتروني أو أدوات إدارة المشاريع مثل Trello وSlack كبدائل للاجتماعات التقليدية.
4. تحديد وقت الاجتماع بدقة:
الاجتماعات الناجحة غالبًا ما تكون قصيرة ومركزة. حدد وقتًا أقصى لا يتجاوز 30-45 دقيقة لمعظم الاجتماعات. تحديد مدة زمنية للاجتماع والالتزام بها يمكن أن يساعد في الحفاظ على تركيز المشاركين.
5. تحديد النتائج والمتابعة
كل اجتماع يجب أن ينتهي بخطة عمل واضحة تتضمن:
- المسؤوليات الفردية.
- المواعيد النهائية.
- تحديد مؤشرات الأداء KPI.
- خطوات المتابعة.
6. استخدام التكنولوجيا بذكاء
أدوات مثل Zoom وMicrosoft Teams ليست فقط لعقد الاجتماعات، بل يمكن استخدامها لتوثيق النقاشات، وتوفير تقارير فورية، ومتابعة المهام.
رؤية شخصية: الاجتماعات كاستثمار للوقت
أعتقد أن الاجتماعات ليست شرًا لا بد منه، لكنها استثمار يجب إدارته بحكمة. في إحدى الشركات، طبقنا نظامًا يُسمى "اجتماعات القرارات السريعة"، حيث لا يُعقد أي اجتماع إلا إذا كان الهدف هو اتخاذ قرار واضح. كانت النتيجة توفير أكثر من 20% من وقت العمل الأسبوعي للفريق، مما زاد الإنتاجية بشكل ملحوظ.
التفكير المستقبلي: هل يمكن الاستغناء عن الاجتماعات؟
مع التقدم في أدوات إدارة المشاريع والذكاء الاصطناعي، ربما نصل إلى نقطة يمكن فيها تقليص الاجتماعات التقليدية بشكل كبير. لكن حتى ذلك الحين، علينا تحسين الاجتماعات التقليدية لتصبح أكثر كفاءة وتركيزًا على تحقيق الأهداف.
الخلاصة
تصريح محمد العبار ليس انتقادًا للاجتماعات بحد ذاتها كما أظن، بل دعوة لإعادة التفكير في طريقة إدارتها. إذا تعاملنا مع الاجتماعات كأداة استراتيجية تُستخدم بحكمة، يمكن أن تصبح مصدر قوة للمؤسسات بدلًا من أن تكون عبئًا عليها.
تذكّر دائمًا: الوقت هو المورد الأكثر قيمة. والطريقة التي ندير بها اجتماعاتنا تعكس مدى إدارتنا لهذا المورد بشكل فعّال.