ثار
جدل واسع في الأوساط الاقتصادية وريادة الأعمال حول مقال بول غراهام بعنوان "Founder Mode" الذي يمجّد نمط المؤسس في إدارة الشركات الناشئة،
والذي يزعم فيه تفوق هذا النمط على النمط التقليدي للإدارة، يشير غراهام إلى أن
العديد من الشركات الناجحة مثل "Apple" و"Airbnb"
نجحت لأن
مؤسسيها استمروا في إدارة الشركات بأنفسهم، دون الاعتماد على مدراء تنفيذيين ذوي
خبرة. وفقًا لغراهام، فإن المؤسس يجب أن يكون دائمًا في وضع الإدارة الشامل، حيث
يتمسك بالقرارات الاستراتيجية والتشغيلية، ولا يتخلى عن زمام الأمور لأحد.
غراهام
يرى أن توظيف مدراء جيدين في المراحل المبكرة قد يؤدي إلى فشل الشركات، لأنه يبعد
المؤسس عن الصورة الكبيرة ويضعف روح الابتكار التي قادت الشركة إلى النجاح من
البداية، يذكر غراهام أن هناك عدة شركات تدهورت بعدما سلم مؤسسوها الأمور لمدراء
تنفيذيين، ما أدى إلى فقدان روح الريادة الأصلية.
وقد شاركت قبل أيام في نقاش مثير ومثري في إحدى المساحات السعودية المميزة على منصة "إكس" تويتر سابقا حول هذا المقال، حيث تبادل المؤيدون
والمعارضون الآراء والأدلة حوله، .وكان منهم الريادي والخبير والمستثمر والمتخصص في إدارة وريادة الأعمال ، هذا الجدل أو النقاش يعكس أهمية دور المؤسس في
صناعة المستقبل جنبا إلى جنب مع المدير، ولكن لو عدنا إلى المقال هل قدم غراهام رؤية شاملة ودقيقة؟ ، سنقوم بتحليل نقدي لمقاله، مستندين إلى هذه النقاشات،
وسنستكشف جوانب أخرى من هذا الموضوع.
دور المؤسس: رؤية رومانسية أم واقع معقد؟
يرسم
غراهام صورة رومانسية عن المؤسس كبطل مبتكر يقود شركته نحو النجاح، مدفوعاً بشغف
لا يضاهى ورؤية مستقبلية واضحة. هذه الرؤية جذابة وملهمة، ولكنها تبسط الأمور
بشكل كبير. ففي الواقع، دور المؤسس أكثر تعقيداً ويتطلب مجموعة واسعة من المهارات
والصفات.
نقاط القوة في رؤية غراهام:
- التأكيد
على الابتكار: يسلط
غراهام الضوء على أهمية الابتكار والمخاطرة في عالم الأعمال، وهي عناصر حيوية
لنجاح الشركات الناشئة.
- التركيز
على الرؤية: يشجع
غراهام المؤسسين على تطوير رؤية واضحة لمستقبل شركاتهم، وهي بوصلة توجههم نحو
تحقيق أهدافهم.
- بناء
ثقافة فريدة: يرى
غراهام أن المؤسس هو المسؤول عن بناء ثقافة مؤسسية قوية تعكس قيمه وشخصيته،
وهذا يؤثر بشكل كبير على أداء الشركة وجذب المواهب.
نقاط الضعف في رؤية غراهام:
- التعميم
الزائد: يميل
غراهام إلى تعميم تجارب فردية ويقدمها كقاعدة عامة تنطبق على جميع الشركات
الناشئة، وهذا يقلل من تعقيد الواقع.
- تجاهل
العوامل الأخرى: يركز
غراهام بشكل كبير على دور المؤسس، ويتجاهل دور العوامل الأخرى التي تساهم في
نجاح المشاريع، مثل جودة الفريق، وفرادة الفكرة، والتسويق، والتمويل.
- عدم الاعتراف بحدود نمط المؤسس: يبالغ غراهام في تقدير قدرات المؤسس، ويتجاهل حقيقة أن المؤسس قد لا يمتلك المهارات اللازمة لإدارة شركة كبيرة ومعقدة.
العوامل المؤثرة في نجاح الشركات الناشئة
نجاح
الشركات الناشئة ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تضافر العديد من العوامل، منها:
- تفرد
الفكرة وقيمتها المضافة: يجب
أن تقدم الفكرة حلاً لمشكلة حقيقية في السوق، وأن تكون قابلة للتطوير والتوسع.
- جودة
الفريق: يجب
أن يكون الفريق متكاملاً ومتنوع المهارات، وقادر على العمل معاً لتحقيق
الأهداف.
- التسويق
والتمويل: يحتاج
المشروع إلى خطة تسويق فعالة لجذب العملاء، ومصادر تمويل كافية لدعم النمو.
- التكيف مع
التغيير: يجب
أن تكون الشركات الناشئة قادرة على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق
والتكنولوجيا.
- الثقافة
المؤسسية: تلعب
الثقافة المؤسسية دوراً حيوياً في جذب وتطوير الموظفين، وتعزيز الابتكار
والتعاون.
دور
المؤسس في ضوء هذه العوامل
لا شك
أن المؤسس يلعب دوراً محورياً في نجاح الشركة، فهو المسؤول عن تحديد الرؤية وتوجيه
الفريق. ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن يكون المسؤول عن كل شيء. مع نمو
الشركة، يحتاج المؤسس إلى تفويض بعض الصلاحيات لمديرين محترفين يتمتعون بالخبرة
والكفاءة اللازمة لإدارة جوانب مختلفة من العمل.
المؤسس
والمدير: شراكة أم صراع؟
يعتقد
البعض أن هناك صراعاً أبدياً بين نمطي المؤسس والمدير، وأن المؤسس المبتكر لا
يتوافق مع المدير المنظم. ولكن الحقيقة هي أن كلا النمطين له أهميته، ويمكن
أن يتكاملان بشكل مثمر. المؤسس يوفر الرؤية والإلهام، بينما المدير يضمن
التنفيذ الفعال للأهداف.
التحديات
التي تواجه المؤسسين
يواجه
المؤسسون العديد من التحديات، منها:
- الحصول
على التمويل: يعتبر
الحصول على التمويل الكافي أحد أكبر التحديات التي تواجه الشركات الناشئة.
- بناء فريق
قوي: بناء فريق
متكامل وموهوب يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين.
- التكيف مع
التغيير: يجب
على المؤسسين أن يكونوا مستعدين للتكيف مع التغيرات السريعة في السوق
والتكنولوجيا.
- الحفاظ
على التوازن بين الحياة العملية والشخصية: إن
تأسيس شركة ناشئة يتطلب الكثير من الوقت والجهد، مما قد يؤثر على الحياة
الشخصية للمؤسس.
المقياس الحقيقي للنجاح:
إن المقارنة بين نمط المؤسس ونمط المدير هي مقارنة نسبية، فكلاهما له دور مهم في مراحل مختلفة من دورة حياة الشركة. ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو: كم عدد المؤسسين الذين تمكنوا من بناء شركات ناجحة دون اللجوء إلى مديرين محترفين؟
أعتقد أن الإجابة هي قلة قليلة. فمع نمو الشركة وتوسع أعمالها، يحتاج المؤسس إلى تفويض بعض الصلاحيات لمديرين محترفين يتمتعون بالخبرة والكفاءة اللازمة لإدارة جوانب مختلفة من العمل. هذا لا يعني أن المؤسس يفقد سيطرته على الشركة، بل يعني أنه يركز على الرؤية الاستراتيجية والتطوير المستمر.
دور
المؤسس في نجاح الشركات الناشئة لا يمكن إنكاره، ولكن يجب النظر إليه في سياق أوسع
يشمل مجموعة واسعة من العوامل. المؤسس الناجح هو الذي يجمع بين الرؤية والابتكار
والقدرة على بناء فريق قوي وإدارة المخاطر. كما يجب عليه أن يكون مستعداً للتطور
والتعلم، وأن يتكيف مع التغيرات التي تحدث في بيئة الأعمال.
توصيات
- التعليم
المستمر: يجب
على المؤسسين الاستثمار في تطوير مهاراتهم ومعرفتهم من خلال القراءة والدورات
التدريبية.
- بناء شبكة
علاقات قوية: يمكن
لشبكة العلاقات القوية أن تساعد المؤسسين في الحصول على التمويل والدعم.
- التعاون
مع الخبراء: يجب
على المؤسسين التعاون مع الخبراء في مجالات مختلفة، مثل التسويق والقانون
والمالية.
- الحفاظ
على التوازن بين الحياة العملية والشخصية: يجب
على المؤسسين الاهتمام بصحتهم العقلية والجسدية، وتخصيص وقت للاسترخاء
والترفيه.
ختاماً
يعد نمط المؤسس عنصراً حيوياً في عالم ريادة
الأعمال، ولكنه ليس العنصر الوحيد. النجاح الحقيقي يتطلب تضافر جهود العديد من
الأطراف، وبناء شراكات قوية بين المؤسسين والمديرين والمستثمرين. إن تحقيق التوازن بين بقاء المؤسس منخرطًا في العمليات الرئيسية وتمكين
الآخرين من القيادة هو التحدي الأكبر. الفشل في إيجاد هذا التوازن قد يؤدي إلى
انهيار الشركات، سواء بسبب الإرهاق الشخصي للمؤسس أو بسبب عدم كفاءة الإدارة
التنفيذية.