في يوم 23 سبتمبر من كل عام، تحتفل المملكة
العربية السعودية بيومها الوطني، وهو ليس مجرد احتفاء بذكرى تأسيس المملكة، بل هو
أيضًا مناسبة لتقييم الإنجازات الكبيرة التي حققتها البلاد على مدار عقود، والتطلع
إلى مستقبل مشرق يقوده التحول الاستراتيجي الشامل لرؤية 2030. منذ تأسيسها عام
1932 على يد الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - شهدت المملكة تطورات
استثنائية على كافة الأصعدة، لتصبح اليوم من أبرز اللاعبين الاقتصاديين على الساحة
الإقليمية والعالمية.
إنجازات اقتصادية تدعم التنافس العالمي
منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016، التزمت المملكة
بتطبيق استراتيجيات مدروسة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، وبناء
اقتصاد يتسم بالاستدامة والمرونة. بفضل هذه الرؤية، شهد الاقتصاد السعودي تحولات
جذرية تتجلى في تعزيز القطاعات غير النفطية مثل السياحة، التكنولوجيا، الخدمات
اللوجستية، والطاقة المتجددة.
وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2024،
يُتوقع أن يصل معدل نمو القطاع غير النفطي
في المملكة إلى 4.4% على المدى المتوسط، هذه الأرقام تعكس فعالية الجهود المبذولة
لتنويع مصادر الدخل الاقتصادي. ومن بين هذه القطاعات الواعدة، يأتي قطاع الطاقة
المتجددة الذي يُتوقع أن يسهم بنسبة 50% من إجمالي إنتاج الطاقة في المملكة بحلول
عام 2030، ما يؤكد على التزام السعودية بمبادئ الاستدامة ومواجهة تحديات التغير
المناخي.
الرياض: قلب التحول الاقتصادي والاستراتيجي
تعد الرياض من المحركات الرئيسة التي تقود هذا
التحول الكبير. في إطار رؤية 2030، تستهدف الحكومة السعودية تحويل الرياض إلى
واحدة من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، حيث تتبنى المدينة استراتيجيات تطوير
شاملة تشمل البنية التحتية الذكية، وتوسيع قطاعات الأعمال، وتعزيز بيئة الابتكار.
فقد قامت بإنشاء مشاريع كبرى تهدف إلى تحسين جودة الحياة بشكل عام، مع تطوير النقل العام، وتوسيع المناطق الحضرية، وتحقيق نمو سكاني يتراوح بين 15-20 مليون نسمة بحلول 2030. كما تسهم الرياض في تحقيق أكثر من 50% من الإيرادات غير النفطية بفضل دعمها المتزايد لقطاعات التكنولوجيا، الابتكار، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
هذا التحول يجعل من الرياض ليس فقط عاصمة سياسية،
بل أيضًا مركزًا عالميًا لجذب الشركات الدولية والاستثمارات، حيث تُعد مقراً لكبرى
الشركات والبنوك العالمية، وتعكس قدرتها على تقديم بيئة أعمال مرنة ومبتكرة.
تطور قطاع التكنولوجيا والابتكار
من المحاور الأساسية لرؤية 2030 هو التزام
المملكة بتعزيز قطاع التكنولوجيا والابتكار. وقد حققت السعودية قفزات نوعية في هذا
المجال من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية التكنولوجية، وزيادة التركيز على
الشركات الناشئة وحاضنات الأعمال، وتطوير التعليم المرتبط بالتكنولوجيا.
وفقًا لبيانات رسمية، من المتوقع أن يسهم قطاع
التكنولوجيا بنحو 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030. هذه
الاستثمارات تعزز قدرة المملكة على قيادة التحول الرقمي في المنطقة، لتصبح مركزًا
إقليميًا للابتكار التكنولوجي، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، البيانات
الكبيرة، وتكنولوجيا الجيل الخامس.
رؤية المملكة 2030: مسار نحو
الاستدامة والنمو المتوازن
في إطار رؤية 2030، تُعتبر الاستدامة محورًا
رئيسيًا للتنمية الاقتصادية. تعهدت السعودية بتطبيق استراتيجيات تنموية تسعى إلى
تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمحافظة على البيئة. من بين هذه المبادرات،
يأتي "مبادرة السعودية الخضراء" التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة
ومضاعفة المساحات الخضراء، إلى جانب الحد من انبعاثات الكربون بنسبة 60%.
إلى جانب ذلك، تستثمر المملكة في مشاريع الطاقة
المتجددة مثل "مشروع نيوم" الذي يهدف إلى إنشاء مدينة تعتمد بشكل كامل
على الطاقة المتجددة، ما يعزز مكانة المملكة كداعم عالمي للاستدامة.
مستقبل مشرق يدعمه التخطيط الاستراتيجي
إن المملكة العربية السعودية، من خلال رؤية 2030،
ليست فقط في طريقها نحو تحقيق أهدافها الطموحة، بل تُظهر قدرة استثنائية على
التكيف مع متغيرات الاقتصاد العالمي والمنافسة في مختلف القطاعات بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب الرؤية وملهم الشباب ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - ، والتزامها بتطويرالاقتصاد غير النفطي، وتعزيز دورالرياض كمدينة اقتصادية عالمية، وتحقيق
الاستدامة، يجعلها في موقع مميز لتكون أحد القادة الاقتصاديين العالميين في
المستقبل القريب.
اليوم الوطني السعودي ليس مجرد احتفال بتاريخ
المملكة، بل هو تذكير بقدرتها على الريادة والابتكار في عالم سريع التغير.